هو "أبو بكر محمد بن زكريا الرازي" ولد في مدينة الري في خرسان، طبيب
وكيماوي وفيلسوف مسلم، أجمع المؤرخون على أنه أعظم أطباء الإسلام، وأشهر
أطباء القرون الوسطى، ويعرف عند اللاتينيين باسم (Rhazes)، واهتم الرازي في
بداية حياته بالدراسات الفلسفية واللغوية والرياضية اسهم بالعديد من
الابتكارات ويعتبر اول من جعل الكيمياء في خدمة الطب .
يعد
الرازي أحد مشاهير أطباء العالم في كل زمن، فقد كان واسع الإطلاع إلى درجة
الإحاطة بكل علم وفن، وصفه "ابن خلكان" بأنه : " كان إمام وقته في علم الطب
والمشار إليه في ذلك العصر، وكان متقناً لهذه الصناعة، حاذقاً فيها،
عارفاً بأوضاعها وقوانينها، تشد إليه الرحال في أخذها عنه".
درس
"الرازي" الطب على يد إسحاق بن حنين، الذي كان متضلعاً في الطب اليوناني،
والفارسي، والهندي، ورغم أنه درس الطب بعد أن تجاوز الأربعين من عمره، فقد
حقق فيه إنجازات مهمة ونال فيه شهرة واسعة، وعمل رئيساً لبيمارستان الري،
ثم رئيساً لبيمارستان بغداد الذي أمر ببنائه الخليفة العباسي المقتدر.
إسهاماته
للرازي
أسهامات في شتى المجالات، وكانت إسهاماته في الطب كثيرة ومتنوعة، نذكر
منها اهتمامه بالملاحظات السريرية التي تتعلق بدراسة سير المرض مع العلاج
المستعمل، وتطور حالة المريض ونتيجة العلاج، كما أنه سبق إلى الاهتمام
بالأحوال النفسية في تشخيص الأمراض، وكان يرى أن بعض أمراض الجهاز البطني
تكون ناتجة بالدرجة الأولى عن أسباب نفسية.
ويعتبر تشخيص مرض
الجذري ومرض الحصبة من أعظم منجزات الرازي الطبية، فقد وصف المرضين وصفاً
دقيقاً، خاصة فيما يتعلق بأعراضهما الأولية وطريقة علاجهما، وكان يؤكد على
أهمية الممارسة والخبرة والتجربة في علاج المرضى، كما كان يجرب العقاقير
الجديدة على الحيوان قبل أن يصفها للمرضى.
ويعترف الغربيون
بابتكارات الرازي في أمراض النساء والولادة، وفي الأمراض التناسلية، وجراحة
العيون، كما تعرض لشلل الوجه وأسبابه، وميز بين الشلل الناتج عن سبب مركزي
في الدماغ، والناتج عن سبب محلي، ووصف تشعب الأعصاب في القفص الصدري.
وكان
الرازي من أوائل الذين طبقوا معلوماتهم في الكيمياء على الطب، وممن ينسبون
شفاء المريض إلى تفاعل كيماوي في جسمه، وكانت له العديد من الإسهامات في
مجال الكيمياء، حيث كان كيماوياً ذا مقام رفيع، فهو أحد الأوائل الذين
جعلوا من الكيمياء علماً صحيحاً، ويعدّه بعض الباحثين مؤسس الكيمياء
الحديثة، قام بتجارب كيماوية مهمة، حيث استحضر بعض الحوامض، ولا تزال الطرق
التي اتبعها في ذلك مستعملة حتى الآن، فهو أول من ذكر حامض الكبريتيك، وقد
سماه "زيت الزاج" أو "الزاج الأخضر"، واستخرج الكحول باستقطار مواد نشوية
وسكرية مختمرة، وكان يستعمله في الصيدليات، لاستخراج الأدوية والعلاجات.
ويتجلى فضل الرازي على الكيمياء بصفة واضحة، في تصنيفه للمواد الكيماوية
إلى ثلاثة أصناف : نباتية، وحيوانية، ومعدنية ؛ وهذا التصنيف ما زال حتى
الآن ثابتاً في العلم الحديث.
وأسهم، بفضل كتاباته
واختراعاته، إسهاماً فعالاً في تقدم الطب والكيمياء، وتطور البحوث فيهما،
وظلت كتبه مرجعاً في الطب في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر، كما
أسهم بعدد من الابتكارات والاختراعات في مجال الطب والكيمياء منها: ابتكار
استعمال فتائل للجروح، وهو أول من فرق بين الجدري والحصبة، وتركيب مراهم
الزئبق، و معالجة السل بالتغذية بالحليب المحلى بالسكر، أول من قال بفصل
الصيدلة عن الطب، وأول من جعل الكيمياء في خدمة الطب، ففتح باب الصيدلة
الكيمائية فهو أول من حضر مادة الكحول من مخمرات محاليل سكرية، وأول من حضر
حمض الكبريتيك بتقطير كبريتات الحديد.
مؤلفاته
قدم
الرازي عدد هائل من المؤلفات التي تزيد عن المائتين والعشرين مؤلفاً، لكن
أغلبها ضاع ولم يبق منها إلا القليل. ألف العديد من الكتب المهمة في مجال
الطب التي جمعت أبحاثه المبتكرة، وعلوم اليونان والهنود، ومن أشهر هذه
الكتب : كتاب "الحاوي" الذي يعد أكبر موسوعة طبية عربية، جمع فيها الرازي،
مقتطفات أخذها من الأطباء الإغريق والعرب، وأضاف إليها النتائج التي توصل
إليها من تجاربه وآرائه الخاصة، وقد ترجمه إلى اللاتينية، الطبيب اليهودي
"فرج بن سالم" بأمر من شارل الأول ملك صقلية (سنة 1279م)، واستبدلت بكلمة
"الحاوي" مقابلها باليونانية ( Continens) وترجم مرات عديدة في أوربا حتى
سنة 1542م. واعتمد عليه كبار علماء أوربا، وأخذوا منه الشيء الكثير، وبقي
مرجعهم في مدارسهم وجامعاتهم حتى القرن السادس عشر.
ومن
الكتب المهمة "كتاب الجذري والحصبة" الذي يشتمل على صورة مفصلة ودقيقة عن
هذين المرضين وعن طرق علاجهما، وقد ترجم إلى اللاتينية بالبندقية سنة 1565،
ثم ترجم إلى عدة لغات أوربية، ونشر في أوربا أربعين مرة ما بين 1498و1866.
وكتاب
"طب الفقراء" وهو عبارة عن قاموس شعبي يصف فيه كل الأمراض وظواهرها، وطرق
علاجها، بالأغذية الرخيصة بدلاً من شراء الأدوية المرتفعة الثمن والتراكيب
النادرة. وكتاب "المنصوري" سماه المنصوري نسبة إلى المنصور بن إسحاق حاكم
خراسان، تناول فيه موضوعات طبية متعددة كالجراحة، وأمراض العيون، وأمراض
البطن، نشر لأول مرة في ميلانو سنة 1481م. وترجم إلى اللاتينية، وظل
معتمداً من قبل الأطباء في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر
للميلاد. وله كتب أخرى مثل : كتاب (برء الساعة) وكتاب (من لا يحضره طبيب)
وكتاب (سر الأسرار).
ومن أشهر كتبه في الكيمياء، نذكر : كتاب
"الأسرار في الكيمياء" الذي يصف الرازي فيه الطريقة التي يتبعها في القيام
بتجاربه الكيماوية، وكيفية تحضير المواد الكيماوية، وكيفية استعمالها ؛
كما يصف الآلات والأدوات التي كان يستعملها. ومن أشهر مؤلفات الرازي في
الفلك نذكر: "كتاب هيئة العالم" وفي هذا الكتاب يبرهن الرازي على أن الأرض
تدور حول محورين، وبأن الشمس أكبر حجماً من الأرض والقمر أصغر حجماً منها.
وللرازى كتب أخرى في الطب، والصيدلة، والفلك والرياضيات، والفيزياء، والمنطق، والفلسفة، والعلوم الشرعية