بينما قررت وزارة الأوقاف في مصر تخصيص 3285 مسجدا للاعتكاف خلال الـ10 أيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك؛ أكد علماء دين أنه لا يجوز للمعتكف في الـ10 الأواخر من شهر رمضان المبارك أن يبيع أو يشتري، وعليه أن يبتعد عن أعمال الدنيا ولا يخرج من المسجد لاتباع الجنائز أو عيادة المرضي.
واشترط العلماء على المعتكف أنه إذا نذر (نوى) الاعتكاف وشرع فيه ثم أفسده، وجب عليه قضاؤه بعد رمضان. وأشاروا لـ«الشرق الأوسط» إلى إنه يجوز للمرأة الاعتكاف في المسجد إن أمنت الفتنة، بشرط الحصول على إذن زوجها، فإن اعتكفت بغير إذنه فله الحق في إخراجها من اعتكافها. لكن اختلف العلماء حول لزوم الصوم لصحة الاعتكاف، فبينما أجاز البعض اعتكاف المفطر، مدللين على ذلك بأنه لو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل، ذهب آخرون إلى إنه لا يصح اعتكاف المفطر.
من جانبه، أكد الشيخ إبراهيم الدسوقي، أحد علماء الأزهر لـ«الشرق الأوسط» أن الاعتكاف في رمضان سنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، واعتكف أزواجه من بعده، وأجمع العلماء على أنه مسنون، لافتا إلى أن الاعتكاف ينبغي أن يكون على الوجه الذي من أجله شُرع، بأن يلزم الإنسان مسجدا ويتفرغ فيه من أعمال الدنيا لطاعة الله بعيدا عن شؤون دنياه.
وأضاف الشيخ الدسوقي: «على المعتكف أن يبتعد عن أعمال الدنيا، فلا يبيع ولا يشتري، ولا يخرج من المسجد؛ إلا لما لا بد منه، بحيث لا يتبع الجنائز ولا يعود المرضي، وذلك لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه)».
وأشار الدكتور أحمد عبد القادر، إمام مسجد النصر في حي عين شمس (شرق القاهرة) إلى أن الاعتكاف من أقدم العبادات، وقد قال الله تعالى: «أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»، قائلا: «لقد اعتكف معظم الأنبياء والرسل، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قبيل الرسالة كان يعتكف في غار حراء، وبعد الرسالة كان يعتكف في الـ10 الأواخر من شهر رمضان، وفى العام الأخير قبل وفاته اعتكف 20 يوما».
وقال الدكتور عبد القادر لـ«الشرق الأوسط» إن الاعتكاف خلوة روحية في المساجد تستثمر في الصلوات والدعاء والاستغفار ودروس العلم، وليست للنوم أو الخمول والجلوس في المسجد فقط، والاعتكاف في جوهره تقرب من الله عز وجل بالتجرد من الشهوات، ويقتضى صفاء القلب بمراقبه الله والانقطاع للعبادة، موضحا أن «الاعتكاف من أحب الأعمال إلى الله، وإذا كان مستحبا في كل الأوقات فإنه في شهر رمضان أكثر استحبابا».
وأضاف الدكتور عبد القادر: «للاعتكاف آداب يجب مراعاتها، وشروطه أهلية التكليف مع الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس، ومن آدابه الاشتغال بالطاعة وتلاوة القرآن الكريم والدعاء والاستغفار»، قائلا: «الاعتكاف وإن كان في الأصل سنة مؤكدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكنه يكون وجوبا بـ(النذر)، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: أوف بنذرك، فاعتكف ليلة».
وأشار الدكتور علي نجار، الأستاذ في جامعة الأزهر، إلى أن الاعتكاف في اللغة هو لزوم الشيء وحبس النفس عليه، وفي الشرع لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله. وقال الدكتور نجار لـ«الشرق الأوسط» عن حكم الاعتكاف، هو قربة وطاعة، ومن شرع أن يعتكف متطوعا ثم أفسده وجب عليه قضاؤه، موضحا حق المرأة في الاعتكاف بالمسجد إن أمنت الفتنة، بشرط إذن زوجها، فإن اعتكفت بغير إذنه فله إخراجها من المسجد.
وحول لزوم الصوم لصحة الاعتكاف، قال الدكتور نجار: «هناك خلاف في هذا الأمر، حيث يجيز البعض اعتكاف المفطر، مدللين على ذلك بأنه لو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل؛ لأنه لا صيام فيه، ولأنه عبادة تصح في الليل، فلم يشترط له الصيام كالصلاة، بينما رفض آخرون اعتكاف المفطر، مدللين على ذلك بالأحاديث الدالة على اعتكاف النبي في الـ10 الأواخر من رمضان».
وكان الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي، وزير الأوقاف المصرية، قد خصص 3285 مسجدا للاعتكاف خلال الـ10 أيام الأخيرة من رمضان، مضيفا أن الوزارة تسعى إلى العمل على راحة المعتكفين طوال فترة اعتكافهم، والمتابعة الدقيقة لاستمرار فتح المساجد ونظافتها وتوفير المياه والإضاءة بصورة منتظمة.
وأشار الدكتور القوصي إلى تكليف لجان للتفتيش والمرور على المساجد بشكل دوري، للتأكد من قيام العاملين بواجباتهم، مؤكدا أن الوزارة لن تتهاون في معاقبة من يثبت تقصيره وتعطيله أداء الشعائر الدينية.