أبو تراب
كنية الإمام علي ع ولها علاقة وثيقة ب " أمير المؤمنين" ، إنّ سورة النبأ من أروع السور النازلة في شأنه عليه السلام ، وذلك بدليل الأحاديث الواردة مضافاً إلى أنّ السورة بنفسها تشير إلى ذلك من خلال ملاحظة بدايتها ونهايتها ، قال تعالىعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ)(النبأ/1-5). ففي الحديث عن ابى حمزة عن أبى جعفر عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ان الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الاية " عم يتسائلون عن النبأ العظيم " ؟ قال : ذلك إلى ان شئت اخبرتهم وان شئت لم اخبرهم ، ثم قال : لكنى اخبرك بتفسيرها ، قلت : عم يتسائلون ؟ قال : فقال : هى في أمير المؤمنين عليه السلام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما لله عزوجل آية هى أكبر منى ، ولا لله من نبأ اعظم منى ) الكافي ج 1 ص 207
و لهذا ورد في زيارة علي عليه السلام ( السلام عليك يا آية الله العظمى ) الإقبال ص 608
الإمام الصادق عليه السلام ( شهدنا بمنك ولطفك بأنك أنت الله لا اله الا انت ربنا ، ومحمد عبدك ورسولك نبينا وعلى امير المؤمنين والحجة العظمى وآيتك الكبرى والنبأ العظيم الذى هم فيه يختلفون ) التهذيب ج 3 ص 145
ففي قوله: كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون، تدل علىأنّهم سيدركون حقيقة الأمر في مرحلتين
القيامة : لا ننكر أنّ النيأ العظيم يجري على القيامة أيضا فإن القرآن له ظاهر وله أبطن كثيرة ولكن سياق الآيات لا ينسجم مع ذلك ، حيث أنّه عندما تقوم الساعة سوف ينعدم النظام الكوني فالشمس تتكور والنجوم تنتثر والجبال تسيّر !
وفي هذه السورة يتحدّث سبحانه عن النظام في الكون حيث يقول"أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ...)
لولا الحجّة:
ولذلك تؤكّد الأحاديث الكثيرة على أنّه لو لا الحجّة لأنعدم النظم في الكون كما في كتاب الكافي الشريف ج : 1 ص : 180)عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ قَالَ لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ )وأيضاً (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الْأَرْضِ سَاعَةً لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِهِ (
ومن هذا المنطلق نعرف ما تشير إليه الآيات وتؤكّده حيث قالت ( أ لم نجعل الأرض) فهي تثير أحاسيس الإنسان وتجعله يتأمّل ثمّ يرجع إلى نفسه ليدرك أنّ الإنسان الكامل المتمثّل في أهل البيت عليهم السلام هو الواسطة في نزول الفيوضات الإلهيّة من الله سبحانه وتعالى كما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة ( بِكُمْ فَتَحَ اللَّهُ وَ بِكُمْ يَخْتِمُ وَ بِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ بِكُمْ يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) الفقيه 2 ص 615
أمير المؤمنين:
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ : لِأَنَّهُ يَمِيرُهُمْ الْعِلْمَ أَ مَا سَمِعْتَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ نَمِيرُ أَهْلَنا) وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَلِأَنَّ مِيرَةَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِنْدِهِ يَمِيرُهُمُ الْعِلْمَ ) مجمع البحرين قوله تعالى: و نمير أهلنا يقال فلان يمير أهله: إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلدهم، من الميرة بالكسر فالسكون طعام يمتاره الإنسان أي يجلبه من بلد إلى بلد. ( مجمعالبحرين)
ولا يخفى أنّه يمير كل الموجودات حيث أنّها جميعاً تقع تحت الولاية التكوينية الإلهية التي ظهرت فيه عليه السلام فهو واسطة الفيض بين الخالق و المخلوق .
هذا وفي آخر سورة النبأ يقول سبحانه : (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا، إِنَّا عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) فلا يتطرق الباطل إلى ذلك اليوم فالحق مع علي و علي مع الحق وفي الزيارة (الحق معكم و فيكم و منكم وإليكم ) الفقيه 2 ص 615
والجدير ما في قوله تعالى (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ) والآية تشبه قوله تعالى (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً)(المزمل/19) وفي الزيارة الجامعة الكبيرة (واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم) فهم عليهم السلام الواسطة التكوينية بين الله و المخلوقين والوصول إليهم يعني الوصول إلى وجه الله .
والجدير بالذكر ما في قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) وهذه الآية لها ارتباط وثيق بقوله تعالى (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)(الزمر/56). فمن يتمنى أن يكون ترابياً هو بنفسه يتحسّر من أنّه فرّط في جنب الله تعالى
(عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ لِمَ كَنَّى رَسُولُ اللَّهِ ص عَلِيّاً ع أَبَا تُرَابٍ قَالَ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى أَهْلِهَا بَعْدَهُ وَ بِهِ بَقَاؤُهَا وَ إِلَيْهِ سُكُونُهَا وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَ رَأَى الْكَافِرُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِشِيعَةِ عَلِيٍّ مِنَ الثَّوَابِ وَ الزُّلْفَى وَ الْكَرَامَةِ قَالَ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً أَيْ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ) بحار الأنوار ج 65 ص 123
والآية لها علاقة بقوله تعالى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً* وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)(الفرقان27/30). وقد ورد في زيارة عاشوراء(اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد و آخر تابع له على ذلك. ) وفي الزيارة ( أنتم السبيل الأقوم و شهداء دار الفناء و شفعاء دار البقاء و الرحمة الموصولة و الآية المخزونة و الأمانة المحفوظة و الباب المبتلى به الناس من أتاكم نجى و من لم يأتكم نجى.)
وهناك حديث طويل في روضة الكافي يبيّن شخصية أبي تراب إلى أن يقول (..وَ يَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ يَقُولُ لِقَرِينِهِ إِذَا الْتَقَيَا يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ )الكافي ج : 8 ص : 27. فمع التمعن والتأمل في هذه الآيات والروايات نصل أنّه من الجدير تسميتة عليّ عليه السلام بأبي تراب جعلنا الله وإياكم من شيعته التابعين له .... آمين.