هموم العراقيين الرمضانية.. الحر والأسعار والكهرباء دائما هناك بدايتان لشهر رمضان في العراق وهو ما ينسحب بعد 30 يوما على العيد. الوقف السني ووقف إقليم كردستان أعلنا أمس أول أيام شهر رمضان بعد عدم ثبوت رؤية الهلال، بينما أعلن مكتب المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني أن اليوم، الثلاثاء، هو أول أيام شهر رمضان.
لم تعد هذه القصة تشغل بال العراقيين لأنهم اعتادوا عليها منذ عقود وربما قرون. ما بات يشغل بالهم الآن هو مجموعة الثوابت التي بات يصعب تغييرها وهي الكهرباء، والحر (حيث يصادف شهر رمضان منذ سنوات في ذروة أشهر الصيف)، والأسعار التي تلتهب هي الأخرى مع بدء العد التنازلي لرمضان، بالإضافة إلى عامل آخر بات يمثل أحد الثوابت أيضا وهي السيطرات التي تنتشر بكثافة في الشوارع وتتسبب في اختناقات مرورية وسط حرارة تتعدى الـ50 درجة مئوية، وأحيانا بعدة درجات. الحكومة العراقية المركزية وبعض الحكومات المحلية لا تملك حلا لا للكهرباء ولا للأسعار أو السيطرات، ولكنها اكتشفت أنها تملك حلا لما هو أعقد بكثير وغير خاضع لسلطاتها بأي حال من الأحوال، وهو الحر، وذلك بإعلان العطلات الرسمية في أوقات اشتداد الحر مثلما حصل أمس، الاثنين، كجزء من التغلب على مشكلة الحر. وتزامن اشتداد موجة الحر مع تبخر وعود وزارة الكهرباء بتحسن مستوى الخدمة خلال هذا الصيف لكي ينعم العراقيون بصيف أقل سخونة مع الإعلان عن انتهاء الأزمة كليا عام 2013 طبقا لآخر التصريحات البرلمانية والكهربائية معا.
وفي سوق الشورجة في بغداد، وهي إحدى أشهر أسواق الجملة في العراق، وتقع بين شارعي الرشيد والجمهورية، كانت حركة التسوق على أشدها على الرغم من غلاء الأسعار، لا سيما أن الشورجة تشتهر بكل أنواع البهارات والمكسرات والحلويات والعصائر والتمور وأنواع السكائر، فضلا عن الأرز والسكر والشاي وسواها من المواد التي تباع بأسعار الجملة.
أبو نبيل صاحب أحد محلات البقالة في سوق الشورجة قال لـ«الشرق الأوسط» إن «سوق الشورجة في الأساس هي من أسواق الجملة الرئيسية، ويقبل عليها الناس خلال هذه الأيام لأن هناك فرقا كبيرا في الأسعار بين هذه السوق وباقي المحلات والأسواق في باقي مناطق العاصمة». وعزا إسماعيل داغر، أحد باعة البسطيات في السوق ذاتها غلاء الأسعار «ليس إلى رغبة التجار أو الباعة من باب استغلال شهر رمضان، مع أنه لا ينكر وجود شيء من ذلك، ولكن بسبب إقدام السلطات على محاربة التجار من خلال الإجراء الذي اتخذته وزارة التخطيط بتطبيق برنامج فحص البضائع والسلع الداخلة إلى العراق». رائدة كاظم، كانت تقف على قارعة الطريق تنتظر سيارة أجرة تقلها إلى منزلها الكائن في حي الخضراء غرب بغداد، تقول: «لا بد أن أقف قليلا كي تمر سيارة زجاجها غير مفتوح، مما يعني أنها مبردة». وحول ما إذا كان هناك فرق بين أسعار سيارة مبردة وأخرى غير مبردة من الموديلات القديمة يقول دحام محمد، سائق تاكسي حديث: «لا يوجد فرق في أسعار الأجرة فأولا الرزق على الله، وثانيا لأن عدد السيارات أصبح كبيرا جدا، لذلك لا يستطيع صاحب السيارة المبردة إلا إضافة فرق بسيط، وأحيانا نلاحظ أن المواطن يقبل بالمبلغ الذي نفرضه بينما يتعامل كثيرا مع صاحب السيارة غير المبردة». أم علي، ربة بيت، حين سألناها عن أنواع الأطعمة التي تفضل تجهيزها لمائدة رمضان قالت: «وهل ترك لنا الحر من وسيلة للتفكير في نوع الأطعمة؟.. قل أنواع المياه والعصائر والشراب والألبان». وتضيف: «اذهب الآن إلى أبسط محل من محلات البقالة لتجد أن غالبية ما يتم اقتناؤه من قبل المواطنين هو (البيسي) و(السفن) و(الميزو) و(الفيتمو) و(النومي بصرة) و(القيمر) والتمر هند، فضلا عن الألبان التي تتصدر المائدة قبل الأرز واللحم والدجاج والشوربة التي لا تكاد تخلو منها مائدة رمضان».
وحيث إن الأنظار تظل تتجه إلى وزارة الكهرباء، فعند سؤال «الشرق الأوسط» للناطق الرسمي لوزارة الكهرباء، مصعب المدرس، عما إذا كانت هناك إجراءات ملموسة خلال شهر رمضان قال: «لا توجد إجراءات ملموسة جدا يمكن أن يلمسها المواطن وتمثل متغيرا في حياته اليومية على صعيد أزمة الكهرباء»، مضيفا أن «هناك شيئا واحدا يمكن أن يمثل حلا ولو بسيطا وهو افتتاح محطة الصدر الكهربائية في الغالبية بكامل طاقتها، التي سوف تضيف نحو 200 ميغاوات للمنظومة الكهربائية».
وفي كردستان حشدت السلطات المحلية أجهزتها الأمنية والرقابية من أجل السيطرة على الأسعار التي عادة ما تنفلت خلال هذا الشهر من كل عام، حيث اعتاد التجار أن يستغلوا الطلب المتزايد على المواد الغذائية من قبل المواطنين لرفع الأسعار، بل وهناك من يستغل حلول هذا الشهر لتصريف مخزونه من المواد المنتهية الصلاحية، كما أكد ذلك محافظ أربيل الذي سارع إلى عقد اجتماع عاجل لجميع الدوائر المعنية بمراقبة الأسواق من أجل الحيلولة دون حدوث أي زيادة بالأسعار، وخصوصا أسعار المواد الغذائية. وبحسب مصدر في الاجتماع نقل لـ«الشرق الأوسط» أن محافظ أربيل نوزاد هادي اجتمع يوم أمس بقائمقام قضاء المركز ومديري التجارة والصحة والطب البيطري والزراعة والشؤون الداخلية والآسايش (الأمن المحلي) من أجل وضع آلية مراقبة محكمة للأسواق التجارية ومنع رفع أسعار المواد الغذائية أو الاحتكار خلال هذا الشهر.
وصدرت عن الاجتماع عدة توصيات من أهمها نشر لائحة بأسعار المواد الغذائية بشكل يومي في وسائل الإعلام المحلية، وإرغام التجار وأصحاب المحلات و«السوبر ماركت» بتعليق لوحات بالأسعار في واجهات محلاتهم، وتكثيف حملات الفرق الصحية على الأسواق لمنع بيع المواد المنتهية الصلاحية ومعاقبة كل من يلجأ إلى احتكار السوق أو المتاجرة بتلك المواد. وأصدرت المحافظة قرارا بعدم فرض أي زيادات على أسعار الخبز والصمون أو اللحوم المستوردة أو المنتجة محليا.
كل هذه الإجراءات لم تنفع في طمأنة المواطنين في كردستان، ويقول المواطن أكرم سعيد: «في كل سنة ومع قدوم رمضان تنفلت الأسعار في الأسواق، فالتجار يستغلون زيادة الطلب على المواد الغذائية لرفع أسعارها دون وازع من ضمير، مع أن هذا الشهر الفضيل هو شهر الخير والصدقات ومساعدة المسلم لأخيه المسلم، التجار أغنياء وأكثرية الشعب من الفقراء، وعلى الأقل يفترض بهؤلاء التجار أن يراعوا أوضاع الطبقات الفقيرة وأن يساعدوهم في تحمل مشاق الصيام، وخصوصا في هذا العام، لا أن يثقلوا عليهم وطأة حرارة الجو بإحراق جيوبهم». ويقول جمعة علي: «عندما يحل الشهر الفضيل تمتلئ المساجد والجوامع بالمصلين، وأكثرهم من التجار وأصحاب المحلات في السوق، ولكن هؤلاء هم بالذات الذين يرتدون ثوب التقوى والصلاح لا يراعون أوضاع إخوانهم المسلمين في هذا الشهر المبارك الذي يدعو إلى تكثير الخير والصدقات، فمعظم تجارنا يتجردون من ضمائرهم، وخصوصا في هذا الشهر، رغم أنهم يذهبون إلى المساجد ليؤدوا الصلاة، ولكنهم يستنزفون جيوبنا من أجل تكديس الأموال سواء بالاحتكار أو التلاعب بالأسعار».
ويشكك المواطن شيروان (ع) في قدرة السلطات المحلية على السيطرة على الأسعار، ويقول: «معظم مسؤولي كردستان هم شركاء مع التجار، إذا لم يكونوا هم التجار أنفسهم، فكيف يريدون أن نثق بهم؟». ويتابع: «كل يوم نسمع في الأخبار مصادرة مئات الأطنان من المواد الغذائية الفاسدة التي تعبر الحدود، والسؤال الذي يطرح هنا وبكل قوة هو: كيف يمكن إدخال المواد الفاسدة إلى أسواق كردستان إذا لم يكن للتاجر ظهر أو سند يساعده في إدخال تلك المواد، وهل تمت محاسبة أحد من التجار الذي يدخل سموما إلى أسواقنا، نحن لم نسمع حتى الآن بإعدام أو حتى بسجن أي تاجر يتلاعب بأرواح الناس». أما المواطن صابر محمد (67 سنة) فيقول: «هذه السنة سيكون الصيام علينا ثقيلا جدا، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة ونقص التجهيز بالطاقة الكهربائية، مع ذلك فإن درجات الحرارة وانعدام الكهرباء يهونان أمام ارتفاع الأسعار الذي ينغص علينا صيامنا، تصور أن الصائم ينتظر أكثر من 16 ساعة من دون طعام ولا ماء، ولا يستطيع أن يفطر على ما تشتهيه نفسه لأنه غير قادر على شرائه بسبب ارتفاع الأسعار، هذه جريمة والله، عليه فإني أناشد المسؤولين أن يرحمونا على الأقل هذه السنة ونحن نستقبل الشهر في ظروف عصيبة جدا».