الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد
فعادة يكون في رأسي أكثر من موضوع أفكر في أن أجعل من أحدهم موضوعاً
لمقالي ، وأحياناً يكون بعضها أقرب لنفسي ، أو أرضى لها ومع ذلك أختار سواه
حين يكون هو الأجدى والأنفع من وجهة نظري ، أختار ما يكون كاشفاً لما أغمض
، أو مفصلاً لما أجمل ، أو مفسراً لما أشكل – أيضاً من وجهة نظري- ومن النادر جداً أن أكتب فقط لأصرف غضبى.
مقال اليوم ليس فيه جديد ، هو من النوع الأخير ، غضب ودهشة ومرارة
يزلزلون صدري ، ويعكرون صفوي ،ويكدرون خاطري ، وفى ظني أن هناك مثلي ملايين
سيكون هذا المقال مصرفاً ومعبراً عن غضب عارم و مرار بلغ حد العلقم .
حين بدا أن الثورة في طريقها للنجاح ، وأن النظام في طريقه إلى
الزوال أو على الأقل أن شوكته قد انكسرت ، في هذه اللحظة بدأ طوفان التحول
أو فلنسمه ( التثور ) أي أن يصبح الشخص ثورياً ، وما يصاحب ذلك من أعراض ،
كانحلال عقدة لسانه ، وانكسار حاجز الخوف والتعبير بلا سقف عن رأيه ومطالبه
وقد اختلف توقيت التحول من شخص لآخر حسب توقيت اللحظة التي اقتنع فيها أن
الوضع القديم وصل لنقطة اللا عودة ، المهم أن التحول بدأ وإن اختلفت لحظته
إلى أن وصلنا في النهاية إلى لحظة الثورنة الشاملة أي أن الشعب كله انقلب
ثورياً ، وتغير خطاب الجميع.
شخصان فقط في مصر لم يتزحزح خطابهما ملليمتراً واحداً ، ولا يمكن
أن تشعر بأي فرق يذكر بين خطابيهما قبل وبعد الثورة ، ظلت أولوياتهما واحدة
، وشدتهما على التيار الإسلامي هي هي ، بل ربما زادت وأصبحت أكثر شراسة
وظلت رحمتهما بكافة أطياف البلد ما خلا السلفيين واحدة ، ظلت أولوياتهما
التشنيع على السلفيين ولو أدى ذلك لتبنى أقوال خلف لا يصدقها العقل ،
كتحريم النقاب ، والاستهزاء باللحية ، والثوب القصير وتحريم ختان الإناث ،
وإجازة أن يوصي المسلم ببناء كنيسة من ماله ، والقول الأخير يخالف الإجماع
وما أدراك ما مخالفة الإجماع ، فكيف إن جاءت ممن يفترض منه حماية الدين
وحراسة حدود الشريعة ،
حين تتأمل خطاب مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر قبل وبعد الثورة وقد جاءتهما
لحظة تاريخية أن يعيدا للمنصبين هيبتهما وأن يتبوءا هما مكانة مرموقة وأن
يدخلا التاريخ ، ومع ذلك لم يفعلا وظلا على عدائهما الشديد لكل ما هو سلفي ،
مع رحمتهما البالغة بكل ما هو كنسي أو علماني أو ليبرالي أو صوفي ، حين
تتأمل ذلك تكاد تجن من العجب.
جعلت أسأل نفسي ترى ما السبب ؟ ما تفسير ذلك ؟ فلم أجد إلا تفسيراً
واحداً : إنه الحسد ، نعم الحسد ، فالحاسد لا يرضيه إلا أن تزول عنك
النعمة ، والحسد كالغضب الشديد إذا تمكن من المرء أعماه حتى يصل به إلى أن
يأتي بالعجائب ، انقياداً لحسده وهو مغلوب على أمره ، فيصف السلفيين بأنهم
الخوارج الجدد ، تصور ؟
ويصفهم أنهم يريدون اختطاف الأزهر، هكذا !، وأنهم أدعياء علم ، والنقاب
حرام وليس من الإسلام وكذا ختان الإناث ؟ لا يمكن أن يكون هناك تفسيراً
لمثل هذه العجائب إلا داء الحسد.
السلفيون ورغم التضييق والحبس والملاحقة يحققون الانتصارات
وينتشرون في كل مكان وأعدادهم تتضاعف وقنواتهم تشغل الجماهير ودعاتهم
يتصدرون المشهد ويتلهف عليهم الناس ، بينما صاحبينا يظهران ويتحدثان بقوة
المنصب ، ومع ذلك لا يسمع لهما أحد ولا يتناقل أحاديثهما الناس ولا يسعى
إليهم إلا كتبة الصحف لنقل كلام المنصب.
فما ذنب السلفيين ؟ السلفيون حازوا هذه المكانة بدمائهم وشبابهم
بليل المعتقلات ونهار الملاحقات سنوات من الحفر في الصخر ، السلفيون لم
يكونوا أعضاء في لجنة السياسات ولا نكلوا بشباب الجماعات الإسلامية أبان
رئاستهم لجامعة الأزهر ، السلفيون ليسوا من قضى عمره في المنصب دون أن ينكر
مخالفة واحدة فقط أو يغضب لله مرة ، السلفيون هم من قام بما كان ينبغي أن
تقوما أنتما به ، ليس ذنب السلفيين أنكما لم تنكرا خطف كاميليا شحاتة ووفاء
قسطنطين ولم تقفا وقفة العمر لمن قال أننا ضيوف وأن كتابنا محرف.
من يكتفي بحضور إفطار الوحدة الوطنية واحتفالات أكتوبر وعقد
الزيجات في الفنادق الكبرى وسط الخمور والرقص الشرقي ويحارب النقاب والختان
واللحية ، من يفعل هذا عليه ألا يلومن إلا نفسه ، لأنه اختار الجانب الخطأ
والطريق الأسهل.
شخصياً اندهش جداً من احتفاظكما بمنصبيكما إلى اليوم مع أنكما من
أخلص رجال الحقبة السابقة ، ومع ذلك فعن قريب أو بعيد ستمضيا إلى حيث مضى
الراحل العظيم الشيخ طنطاوى لتسألا ، أو ربما تمران بمرحلة انتقالية كالتي
يمر بها العظيم (زقزوق) الآن.
على أية حال حسدكم مفهوم لكنه مخجل وهجومكم شديد لكنه كالزبد سيذهب جفاءاً ولا يبقى إلا ما ينفع الناس.
بقيت ملاحظة أخيرة : حين كنت أُبتلى بهذا الهجوم والتشنيع منكما
قبل الثورة كنت أشعر بالعجز والقهر ، أما الآن فأنا أشعر تجاهكما بالشفقة ،
تمنياتي بالشفاء العاجل.